إن مفهوم الخصخصة يعد من أكثر المفاهيم التباسًا لدى الكثير من الناس، ولقد ظل لسنوات عديدة مادة خصبة لوسائل الإعلام، خاصةً عندما ظهر أفراد يعارضونه، ويكشفون مساوئه، ويحذرون من دخوله لميادين إنتاجية. وفي المقابل وجدنا الحكومة تسترسل في مدى أهمية وضرورة الخصخصة للنهوض بالاقتصاد القومي. إذًا فما هي حقيقة الخصخصة؟ هذا هو ما سنعلمه في هذا الكتاب الذي يقوم بتشريح سياسة الخصخصة دون انحياز لها، أو ضدها.
الخصخصة تعني ببساطة إفساح المجال أمام المبادرات الخاصة على حساب التدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي، وينطوي مفهوم الخصخصة على مضمونين: أحدهما ضيق، والآخر واسع. المضمون الضيق يعني نقل أصول المنشآت العامة كليًا أو جزئيًا إلى القطاع الخاص، في حين يغطي المضمون الأوسع مجموع السياسات الهادفة إلى تغيير التوازن بين القطاعين العام والخاص لصالح القطاع الأخير. ويرجع ظهور الخصخصة كسياسة اقتصادية رئيسية منذ نهاية السبعينيات إلى اجتماع عدة عوامل، كانتخاب حكومات غربية في (بريطانيا ) و(الولايات المتحدة الأمريكية ) ترى أن السوق هي الأداة الرئيسية لتحقيق الأهداف الاقتصادية، وأنها الوسيلة المناسبة للتغلب على المصاعب التي واجهها الاقتصاد الغربي في تلك الفترة، وقد كانت هذه الحكومات تنظر للقطاع العام كعقبة تحول دون نجاح سياسات التصحيح الضرورية؛ لمواجهة المشاكل المترتبة على عجز الميزانية، وقد شجع على ذلك تداعي النظم الاشتراكية في (أوروبا الشرقية )، والتي كانت قائمة على مبدأ ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، هذا بجانب ما شهده العالم من تطوير وتدويل للأسواق المالية الكبرى، وتضخم لحجم ونفوذ الشركات متعددة الجنسيات. أما بالنسبة لدول العالم الثالث، فإن جانبًا من مفكريها واقتصادييها بات يتساءل عن جدوى الاستمرار في تضخيم دور الدولة إلى الحد الذي أصبحت فيه غير قادرة على ممارسة وظائفها الحيوية التقليدية، فضلًا عن وظائفها الإنتاجية، خاصةً في ظل وجود عجز مزمن في ميزانيتها العامة، كما أنهم رأوا أن الخصخصة تساهم في زيادة مستوى الكفاءة الاقتصادية، وتحقيق التنمية التي عجز القطاع العام عن القيام بها، فضلًا عن كونها وسيلة لتحجيم البيروقراطية، وتوسيع قاعدة الملكية والمشاركة في المجتمع.
لا يتخذ تنفيذ عمليات الخصخصة نمطًا واحدًا، بل هناك عدة أساليب لتنفيذ عملية الخصخصة مثل:-
أسلوب العرض العام للأسهم
وفيه تُقدِم الحكومة على طرح جزء أو كل أسهم المنشأة العامة للبيع العام، ويهدف أسلوب العرض العام إلى توسيع نطاق المشاركة الشعبية في ملكية المشروعات الصناعية، وإشعار المواطنين بإمكانية مشاركتهم في شراء الأسهم والأصول المُعَدَة للبيع؛ مما يخفف من معارضتهم لتنفيذ سياسة الخصخصة، ويدعم الموقف السياسي للحكومة التي تقدم على انتهاج هذه السياسة، كما أن أسلوب العرض العام يعطي الثقة للرأي العام في نزاهة عملية الخصخصة؛ لما يتميز به من وضوح وشفافية وعلانية، ورغم ذلك فإنه لا يخلو من العيوب والمخاطر، مثل احتمالية استيلاء أفراد معينيين أو مؤسسة معينة على كل الملكية؛ مما يناقض هدف العرض العام في توسيع المشاركة الشعبية في الملكية، أو استحواذ الأجانب على الملكية؛ لذا تحرص الدول على اتخاذ بعض الإجراءات الخاصة لتفادي تلك المخاطر، مثل منح العاملين في المنشأة المعروضة للبيع أسهم مجانية فيها، أو منحهم أسهم إضافية مقابل كل سهم يشتريه العامل، أو تحديد حد أقصى لعدد الأسهم التي يمكن شرائها من قِبَل شخص واحد أو مؤسسة واحدة، وقد يتم استبعاد المشترين الأجانب، أو تحديد حد أقصى لإجمالي الأسهم التي يمكنهم شرائها، أو إعطاء أفضلية عامة للمستثمرين الوطنيين مقارنةً بالمستثمرين الأجانب، أو إعطاء الحكومة الحق لنفسها في الرقابة على المنشآت المخصخصة التي دخل في ملكيتها أجانب.
بيع الأصول والأسهم في صفقات خاصة
قد تستهدف الصفقات الخاصة بيع أصول المنشآت العامة كليًا أو جزئيًا، وذلك عن طريق عرض هذه الأصول على المشترين الراغبين في الشراء بعد أن تقوم الحكومة بتحديد سعر أدنى للبيع، ثم يتم تلقي عروض الشراء المتنافسة والمفاضلة بينهم مباشرةً، أو عن طريق المزاد؛ لاختيار أفضل هذه العروض، وهذا الأسلوب أكثر ملائمة للمشروعات متواضعة الكفاءة؛ لأن الحكومة يمكنها من خلاله اختيار المستثمرين المشهود لهم بالخبرة السابقة، والكفاءة الإدارية والمالية؛ مما يدعم النجاح المستقبلي للمنشأة بعد الخصخصة، كما أن هذا الأسلوب قد يشكل الخيار الوحيد المتاح في ضوء ضعف أو غياب السوق المالية، فضلًا على أن البيع عن طريق الصفقات الخاصة لا يحتاج ما يتطلبه أسلوب العرض العام من خطوات إعداد طويلة ومعقدة؛ فهو يتميز بالمرونة، وسهولة التطبيق، وقصر مدة التنفيذ، ورغم هذه المزايا فإن الخصخصة عن طريق الصفقات الخاصة لا تخلو من انتقادات مهمة أبرزها أنه أقل شفافية من أسلوب العرض العام؛ مما يجعل طريقة اختيار الملاك الجدد محل شك كبير، ويفتح الطريق أمام الفساد والمحسوبية والرشوة، كما أن هذا الأسلوب يستبعد صغار المستثمرين والعاملين، ما لم تحتفظ لهم الحكومة بحصص معينة في المنشآت المعروضة للبيع، كما أنه يؤدي إلى تركز أصول المشروعات المخصخصة في أيادي مجموعات مالية قوية محدودة؛ مما يدعم أوضاعها الاحتكارية في الاقتصاد المحلي.
التعاقد مع القطاع الخاص على التأجير والإدارة
هذا الأسلوب فيه خصخصة للإدارة، وليس خصخصة للملكية، والهدف من هذه العقود هو تحسين مستوى الكفاءة الإدارية والتقنية، وتطوير مهارات العاملين، وقد تكون أحيانًا إجراءً تمهيديًا يسبق عملية خصخصة الملكية. وفي عقد الإيجار يُمنَح المتعاقد سلطة التحكم الكامل في نشاط المنشأة العامة المالي والإداري خلال فترة التعاقد، وذلك مقابل حصول الدولة على عائد سنوي مضمون بصرف النظر عن تطور الأوضاع المالية لهذه المنشأة؛ فالمتعاقد يدير المنشأة لحسابه الخاص، ومن ثم يتحمل جميع المخاطر التجارية والنتائج المالية الإيجابية أو السلبية الناجمة عن هذه الإدارة، أما عقد الإدارة فهو يقتضي أن تعهد الحكومة إلى شركة أو مجموعة متخصصة من القطاع الخاص بإدارة أحدي المنشآت العامة لمدة معينة. مع استمرار تحمل الدولة لكافة المسئوليات المالية للمنشأة، ولا تتحمل مجموعة الإدارة أعباء الخسائر أو الديون التي تحققها المنشأة، كما لا تتأثر أوضاع العمالة في المنشأة في ظل الإدارة الجديدة التي وإن أُعطيَت جميع امتيازات السلطة الإدارية إلا أنها لا تملك الاستغناء عنهم أو استبدالهم. والآن بعد استعراض كل أساليب تنفيذ عمليات الخصخصة، يتبين أنه لا يوجد أسلوب خالٍ تمامًا من الصعوبات أو العيوب؛ لذا يتعين على الحكومة أن توازن بين هذه الأساليب، وأن تختار الأنسب في ضوء الظروف السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المحيطة بكل من المنشأة والمجتمع.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان